عبد الله بن سلام

كيف أسلم؟

عبد الله بن سلام

كان الحُصين بن سلام حبرًا من أحبار اليهود في يثرب وكان أهل المدينة على اختلاف مللهم ونحلهم يُجلونه ويُعظمونه. وكان كلما قرأ التوراة المحرفة [التي كان لا يزال فيها في ذلك الزمن ذكر ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم] وقف طويلاً عند الأخبار التي تبشر بظهور نبي في مكة يكون ءاخر الأنبياء.

وكان يستقصي أوصاف هذا النبي المرتقب وعلاماته، وكان كلما قرأ هذه الأخبار أو مرت بخاطره يتمنى أن يُفسح له في عمره حتى يشهد هذا النبي المرتقب، ويسعد بلقائه، ويكون من أول المؤمنين به. وقد مد الله بعمره فعاش حتى بعث نبي الهدى والرحمة وكُتب له أن يحظى بلقائه وصُحبته وأن يؤمن بالحق الذي أنزل عليه.

قصة إسلامه
قال الحصين بن سلام: لما سمعت بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت أتحرى عن اسمه ونسبه وصفاته وزمانه ومكانه وأطابق بينها وبين ما هو مسطور عندنا في الكتب حتى استيقنت من نبوته، وتثبت من صدق دعوته ثم كتمت ذلك عن اليهود وعلقت لساني عن التكلم فيه، إلى أن كان اليوم الذي خرج فيه الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة قاصدًا المدينة، فلما بلغ يثرب ونزل بقباء أقبر رجل علينا وجعل ينادي في الناس معلنًا قدومه وكنت ساعتئذ في رأس نخلة لي أعمل فيها وكانت عمتي خالدة بنت الحارث جالسة تحت الشجرة، فما إن سمعتُ الخبر حتى هتفت: الله أكبر... الله أكبر.

فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيَّبك الله.... والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادمًا ما فعلت شيئًا فوق ذلك فقلت لها: أي عمة، إنه والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه وقد بُعث به. فسكتت وقالت: أهو النبي الذي كنتم تخبروننا أنه يبعث مصدقًا لمن قبله. فقلت: نعم، قالت: فذلك إذن. ثم مضيت على الفور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت الناس يزدحمون ببابه، فزاحمتهم حتى صرت قريبًا منه، فكان أول ما سمعته منه قوله: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" فجعلت أتفرس فيه، وأتملى منه، فأيقنت أن وجهه ليس بوجه كذاب. ثم دنوت منه وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

فالتفت إلي وقال: ما اسمك، فقلت: الحصين بن سلام. فقال: بل عبد الله بن سلام، فقلت: عبد الله بن سلام والذي بعثك بالحق ما أحب أن لي به اسمًا ءاخر بعد اليوم. ثم انصرفت من عند رسول الله إلى بيتي ودعوت زوجتي وأولادي وأهلي إلى الإسلام، فأسلموا جميعًا وأسلمت معهم عمتي خالدة، وكانت شيخة كبيرة، ثم إني قلت لهم: اكتموا إسلامي وإسلامكم عن اليهود حتى ءاذن لكم فقالوا: نعم.

نسأل الله العظيم أن يرزقنا الثبات على دينه الحق ورؤية نبيه وحسن الاقتداء بالسابقين الأولين من المؤمنين.